أثر الصراع على البيئة في اليمن

د. عبدالغني عبدالله جغمان

خبير نفطي واستشاري تنمية موارد طبيعية

ديسمبر 2023

تعاني اليمن من صراع دامٍ ومعقد يستمر لسنوات، وقد أثر هذا الصراع بشكل كبير على البيئة في البلاد والتي تعاني بالاساس من الكثير من المشكلات البيئية التي تضاعفت حدتها بفعل الصراع الدائر في البلاد منذ سنوات كثيرة.

في هذه المقال نركز على اهم المشاكل البيئية التي نتجت بشكل مباشر من الصراع بغض النظر عن المشاكل البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية الطبيعية مثل التصحر والفيضانات والجفاف والامطار الغزيرة والتي تناولتها العديد من التقارير والدراسات.

ونحن هنا نؤكد على إن السلام والأمن في اليمن مهددان بصورة متزايدة بسبب تراجُع الاستقرار البيئي. بسبب الصراع والذي يؤدي ايضا الى سوء الإدارة والاستغلال المفرَط للموارد الطبيعية، خاصة في ظل انهيار الحكومة المركزية اليمنية، إلى جانب المؤسسات المسؤولة عن حماية البيئة وإدارة الموارد..

توطئة قانونية

قبل الحرب، شهدت الجهود اليمنية لحماية البيئة تحسناً بطيئاً نتيجة لنقص الوعي العام، وعدم امتثال المنشآت الصناعية الخاصة والحكومية للقوانين البيئية القائمة، وضعف الرقابة الحكومية. وقد تفاقمت الرؤية غير الواضحة وعدم التزام الحكومات المتعاقبة بالسياسة البيئية بسبب الآثار غير المرغوب فيها للأنشطة البشرية.

وقَّعت الجمهورية اليمنية العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البيئة، كما ان اليمن ملتزمة بالقانون الدولي الذي يعد الزاماً لكافة الاطراف المتنازعة. حيث ينص الاعلان  العالمي لحقوق الإنسان، على أن “لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة يكفي لضمان الصحة والرفاه له، كما نص على ان الأمومة والطفولة لها الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، أيضا الحق في الحياة غير القابل للتقييد، والذي يعتبر الوصول إلى الغذاء والمياه شرطاً اساسياً“.. وهنا نؤكد على ان تكون المياه النقية والغذاء الكافي حق لكل مواطن في اليمن.

الى جانب القوانين الدولية تلتزم اليمن بعده قوانين محلية تهدف إلى حماية البيئة (على سبيل المثال، القانون رقم (26) لسنة 1995م بشأن حماية البيئة؛ والقانون رقم (16) لسنة 2004م بشأن حماية البيئة البحرية من التلوث)، ومع ذلك فإن الحكومة كانت ولا تزال أضعف من أن تتمكن من تنفيذها أو إنفاذها على النحو المطلوب.

ومن المعلوم انه خلال فترة الصراع، تضعف القدرة على إنفاذ التشريعات بسبب غياب مؤسسات الدولة أو إدارتها الحد الأدنى من الخدمات، نظراً إلى أن الصراع يؤدي إلى حشد معظم موارد الدولة وقوتها العاملة، ويكرس جميع موارد البلاد المالية بما يخدم الصراع بدلاً من الاضطلاع بأنشطة من شأنها حماية البيئة والمحافظة عليها. وقد أدى ذلك إلى التهاون في تنفيذ السياسات البيئية الوطنية وخطط العمل الاستراتيجية. فضلاً عن أن الدعم المالي للحكومة هو أهم عامل يؤثر على القدرة المؤسسية على حماية البيئة في اليمن.

لا سيما واليمن يعتمد على تبرعات المنظمات الدولية (مثل البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق البيئة العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة) من أجل تقديم الدعم لمواجهة المشاكل البيئية. وقد أدى الصراع الحالي إلى تفاقم البيئة المتدهورة بالفعل وتحول الدعم الدولي من القضايا البيئية إلى القضايا الإنسانية. وقد أثر ذلك سلباً على الموائل البيئية المهددة، وأوقف جميع الجهود والمشاريع الرامية إلى حماية البيئة في اليمن.

التاثيرات المجتمعية و الزراعية والمائية

لقد أدى الصراع الحالي إلى دخول اليمن أزمة إنسانية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، مما تسبب في ازدياد تدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وكما هو معروف أن عدم الاستقرار في أي منطقة أو بلد من العالم يؤثر على الكثير من الجوانب في مختلف نواحي الحياة ومنها الجانب الاقتصادي والمعيشي للسكان، وبحسب تقرير البنك الدولي فقد أدى الصراع إلى انكماشٍ بنحو 50% في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين عامي 2011 و2022، كما ألحق أضراراً أو دماراً بأكثر من ثلث المنازل والمدارس والمستشفيات ومنشآت المياه والصرف الصحي في البلاد. ويؤكد أن مؤشرات الإنتاجية كانت ضعيفة بالفعل قبل نشوب الصراع، لكنها ازدادت تدهوراً مع اشتداد العنف.

  1. تلوث المياه ونقص الموارد المائية:

تعاني اليمن في الاساس من معضلة نقص المياه بسبب الفشل الحكومي للحكومات السابقة والتي للاسف لا تلقى اهتمام على المستوى المحلي او الدولي و جاء الصراع ليلقي بضلاله ويعظم المشكلة على النحو الذي قد يزيد الصراعات الداخلية بسبب انعدام الامن المائي جراء استنزاف مخزون المياه الجوفية و الحفر العشوائي و تلوث المياه الجوفية والسطحية نتيجة الملوثات البلاستيكية ومياه الصرف الصحي في عدد من المناطق وخاصة المرتفعات الجبلية بما يؤثر سلبا حاليا وايضا على الاجيال القادمة.

تسبب انعدام الوقود اللازم لتشغيل المضخات بنقص حاد في استهلاك المياه و اتجه المزارعون الى استخدام الطاقة الشمسية كبديل، وهذا شجع المزارعين وغيرهم على الإفراط في استخراج المياه من الآبار. وقد كان من شأن ذلك في كثير من المناطق أنْ دفع الناس إلى ما بات يعرف بـمنافسة “السباق نحو القاع” التي يحرص الأفراد فيها على ضخ المياه قبل أن يفعل ذلك أحد من جيرانهم. وبالمثل، حفزت الإعانات الحكومية للحبوب المستوردة المزارعين على التحول من زراعة الحبوب المقاومة للجفاف إلى زراعة نبتة القات المدرِّة للنقد والمتطلبة زراعتها كميات كبيرة من المياه.

تسبب الصراع باستهداف وتدمير البنية التحتية بما في ذلك السدود والخزانات ومحطات التحلية بشكل مباشر على نظام إمداد المياه واستدامة تزويد الشبكات بالمياه النقية،  ، وتسبب بإنقطاع إمدادات المياه عن ملايين الأشخاص، كل ذلك ساهم بشكل كبير في انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه، مثل الكوليرا، حيث تمَّ بالفعل توثيق أكثر من مليونين ونصف مليون حالة مشتبه بها بحسب منظمات دولية.

حالياً يحتاج قطاع المياه إلى إعادة بناء وصيانة البنى التحتية التي تدمرت بفعل الحرب، ونقص الإمكانيات، وتخفيف فجوة التوازن بين الموارد المحددة والاحتياجات المتزايدة، سواء للاستخدام المنزلي أو للقطاعات الزراعية والصناعية.

  • تدمير الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي والحياه البرية

يساهم القطاع الزراعي بـ 25% من الاستهلاك الغذائي في اليمن وبحوالي 20% من الناتج المحلي، كما يشغل 40.9% من إجمالي قوة العمل وفق بيانات رسمية. تعرض الانتاج الزراعي بسبب النزاع بشكل مباشر وغير مباشر إلى انخفاض كبير، والاسباب عديدة منها الهجرة ونزوح المزارعين وعمال الزراعة، وكذلك نقص الوقود الذي ادى إلى زيادة تكلفة الانتاج والنقل. وكمتوسط فقد انخفضت نسبة المساحة المزروعة عام 2022 إلى ،%42 وبالنتيجة فقد انخفض الانتاج الزراعى إلى %42 مقارنة بما كان عليه قبل النزاع وقد ادى القرار المتعلق بالحظر والمراقبة على المواد المتجهة لليمن إلى المزيد من الاثار السلبية مما ساهم في زيادة نسبة المساحات غير المزروعة واصبحت نسبة الاكتفاء الذاتي من الغذاء باقل من 15%.  

كما إن اعاقة الاستثمار في مجال الثروة السمكية يتسبب بالتاكيد في التاثير على المخزون السمكي، وقد طالت تلك الأضرار المناطق الرطبة والمحميات الطبيعية (البرية والبحرية) كالصيد للحيوانات المهددة بالانقراض والاحتطاب الجائر.

بسبب انعدام المشتقات النفطية والغاز المنزلي زاد الاعتماد على الحطب في السنوات الأخيرة، كوسيلة للتعامل مع نقص الوقود الناتج عن الصراع. أدَّى هذا الطلب المتزايد على حطب الوقود إلى إزالة الغابات على نطاقٍ واسعٍ، حيث يقوم الناس بقطع الأشجار على نحوٍ غير قانوني بمعدَّل ينذر بالخطر، من أجل تلبية احتياجات الطاقة المنزلية

كما ان انعدام مصادر الدخل وترديها ادت الى تزايد الصيد الجائر وصيد الحيوانات البرية النادرة، بما في ذلك النمر العربي، والفهد، وغزال الجبل العربي. حيث صُنِّفت هذه الحيوانات وغيرها في القائمة الحمراء للاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة، بوصفها من الأنواع المهدَّدة بالانقراض، حيث تتعرَّض حاليًّا لخطر الانقراض التام في اليمن. من ثمَّ، في غياب السياسات والضوابط المناسبة، ستتعرَّض النباتات والحيوانات في اليمن للتهديد بصورة متزايدة في السنوات المقبلة، مما يزيد من تفاقم الأزمة البيئية.

  • كوارث المخلفات والتلوث التسمم البيئي:

تسبب الصراع في الكثير من الكوارث البيئية المتعلقة بإنتشار المواد الملوثة والكيميائية منها  على سبيل المثال:

  •  تلويث البحار والمياه الجوفية والسطحية من خلال مياه الصرف الصحي الناتج عن توقف عمل محطات معالجة مياه الصرف الصحي بسبب قصف وتدمير البنية التحتية للصرف الصحي والمياه العذبة، بما في ذلك السدود والخزَّانات ومحطات تحلية المياه.
  • معالجة النفايات حيث تشكل ظاهرة تراكم النفايات في اغلب المدن والارياف مصدرا اخر من مصادر التلوث للتربة بشكل عام، بالإضافة إلى ما تسببه من تلوث خطير للهواء بسبب حرقها بشكل كلي دون القيام بعملية الفرز لمكوناتها حيث تشمل على عدد من المواد البطيئة التحلل والتي تحتاج إلى أكثر من 30 عاما حتى يتم تحللها مثل مكونات الأجهزة الكهربائية والبطاريات التي تحتوي على مواد مشعة بالإضافة إلى مواد خطرة أخرى كالمخلفات الطبية بما فيها الأدوية المنتهية وكذلك الدهانات التي تحتوي على مكونات كيميائية خطرة على البيئة.
  • بسبب الصراع ما يقارب من  60%  من النفايات المنزلية لا يتم رفعها، ونسبة كبيرة من هذه الأكوام تكدس على قارعة الشوارع في المدن ومجاري الوديان في بعض المناطق، كما يحدث في المهرة، حيث تشكل النفايات خطورة مع هطول الأمطار، فالسيول المتدفقة في موسم التساقط تجرف النفايات وتتراكم في المصبات معرقلة سريان المياه، وينتهى الأمر بفيضان الوادي  وإحداث أضرار بالمزارع  والمنازل المجاورة.
  • شكلت النفايات غير المطمورة أزمة صحية، فهي بيئة خصبة لتكاثر نواقل الأمراض مثل حمى الملاريا  والضنك، ومرتع للحيوانات الضالّة مثل الكلاب، ما يرفع خطر انتشار أمراض مثل داء الكلب الذي شهد انتشاراً مخيفاً خلال السنوات الأخيرة.
  • استخدام وقود مخالف للمواصفات والتسبب بانتشار الادخنة كما حدث مؤخراً في مدينة عدن حيث تم تزويد محطات توليد الكهرباء في المحافظة بوقود غير مطابق للمواصفات أدى إلى انبعاث غازات سامة تسببت بتلوث الهواء؛ الأمر الذي فاقم من مأساة السكان، وعرّض حياتهم للخطر.
  • انتشار مادة البنزين المحسن الذي يباع في مأرب وهو منتج من حقول النفط يخلط به مواد  ويباع في الاسواق بكميات تصل الى 5الف برميل في اليوم والذي له ضرر على صحة الناس وممتلكاتهم.
  • توقف وحدات معالجة مياه الصرف الصحي ادى  الى قيام المزارعيين باستخدام مخلفات الصرف الصحي لغرض ري المحاصيل مثل الخضروات والقات على الرغم من احتوائها على معادن ثقيلة مثل الزنك والزرنيخ والباريوم تجاوزت الحد المسموح به عالمياً، ما يفاقم الأزمة الصحية للسكان ويزيد من الإصابة بالديدان الطفيلية والبكتيريا وغيرها من الأمراض الخطرة.
  • الوضع الصحي بسبب الادوية والمبيدات الزراعية والاسمدة الكميائية

وقال البنك الدولي في مذكرة عن قطاع الصحة في اليمن نشرت في سبتمبر 2021: إن توفر مرافق البنية الصحية العاملة بات أمرًا صعب المنال بسبب تدمير الكثير منها بسبب الصراع، حيث خرج اكثر ما يقارب من 50% من المنشآت الصحية من الخدمة. في حين يواجه أكثر من 80% من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية.

هذا بالاضافة، الى زيادة حدة استيراد الادوية بشكل مخالف للقانون وكذا المبيدات والاسمدة الزراعية في فترة الصراع و تعد الأدوية من أخطر الملفات المعقدة التي تهدد حياة اليمنيين، كخطر يضاف إلى رصيد متخم بالفقر والبطالة وتدهور الوضع الإنساني الذي أنتجته سنوات الحرب.

حيث ادت صعوبات الاستيراد وارتفاع الأسعار وأسباب عدة، أفضت إلى نقص وأحيانًا انعدام الأدوية من السوق اليمني؛ وهو ما فتح الباب واسعًا أمام شبكات التهريب، لتنشط في مجال الدواء الذي بات سلعة يبحث عنها الجميع بأي ثمن، ليصل بالنهاية إلى أجساد المرضى من دون خضوعه لاختبارات ومراجعات طبية تثبت مطابقته للمواصفات ولصلاحية الاستخدام. ومن الطبيعي في ظل انهيار الدولة لا تتوفر إحصائيات دقيقة وحديثة عن حجم الأدوية المهربة في اليمن؛ لكن التقديرات الرسمية لوزارة الصحة اليمنية مؤخرا ، تشير إلى أن الدواء المهرب يشكل ما يفوق 60% من الأدوية المتوفرة في الأسواق.

فيما يخص المبيدات والاسمدة الكيميائية زاد انتشارها وتهريبها بطرق متعدده خلال فترة الصراع، وهنالك أكثر من 700 نوع من المبيدات والأسمدة الكيميائية المهربة في الأسواق اليمنية، هذه المبيدات تعد مشكلة خطيرة تهدّد الأمن الغذائي في اليمن، وهي السبب الرئيس وراء الحظر الذي تفرضه بعض دول العالم على محاصيل زراعية يمنية”. واغلب المبيدات المهربة محظورة بمعظمها، لأنّها تدمّر الأراضي الزراعية وتتسبب في أمراض خطرة بين المواطنين، من قبيل السرطان والعقم والعجز الجنسي والتشوّهات الخلقية وأمراض أخرى كثيرة، نتيجة تسرّب المواد السامة إلى قلب الخضراوات والفواكه”.

  • التأثير المباشر على السكان والمجتمع:

النزوح الكبير للسكان نتيجة للصراع يزيد من الضغط على الموارد الطبيعية في المناطق المستقرة. كما ان التهجير يؤدي إلى زيادة الضغط على المناطق البيئية القريبة، مما يؤثر على البيئة المحيطة. أدَّى هجر الأراضي الزراعية الناتج هذا بدوره إلى إلحاق مزيدٍ من الضرر بقدرة الإنتاج الغذائي في البلاد.

تسببت 8 سنوات من النزاع المتواصل في اليمن بإضعاف السكّان على مختلف المستويات، إذ أصبح نحو 21.6 مليون يمني (73% من السكان) يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، كما تسببت العمليات العسكرية في نزوح  4.5 مليون يمني داخليًا حتى شهر اكتوبر 0232، يعيش نحو 40% منهم في مواقع نزوح غير رسمية ولا يحصلون على الخدمات الأساسية بشكل كاف، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الخدمات غير موجودة. وبذلك تشهد اليمن منذ سنوات أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وألقى النزاع أيضًا بآثار مدمّرة على الوضع الاقتصادي للبلاد، إذ تسبب بانهيار اقتصادي شامل أدّى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنحو 50% مما كان عليه في السابق، وبات يعيش اثنان من كل ثلاثة يمنيين – (20) مليون رجل وامرأة وطفل – في فقر مدقع.

من جانب اخر تضرر الصيادون بشكل مباشر في اليمن بسبب الصراع ووضع الكثير من القيود على الصيد في مناطق معينة، مما أجبر الصيادين اليمنيين على النزول إلى المياه الضحلة، حيث لا يمكنهم الصيد. وقد حرم هذا الصيادين من مصدر رزقِهم الوحيد، وأدَّى منذ ذلك الحين إلى انخفاضٍ حادٍّ في كميات السمك المصيد، ويعرض حياتهم للخطر بشكل دائم. بالاضافة الى المضايقات العسكرية حيث تم نشر العديد من النقاط العسكرية على امتداد الشواطئ اليمنية و اثرت بشكل مباشر على انشطة الصيادين وحياتهم المعيشية.

بالإضافة إلى ذلك، تعد فئة الأطفال من أكثر الفئات التي تأثّرت بالنزاع، إذ تحقّقت الأمم المتحدة من مقتل وإصابة أكثر من (10,200) طفل (2015-2022) بسبب العمليات العسكرية، ورجّحت أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير. وعلى صعيد العواقب التي لحقت بالأطفال على الصعيد الإنساني، يتوقع استمرار ارتفاع مستوى سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة، وتعاني نحو 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضع من سوء التغذية الحاد.

ولم تتوقف الانتهاكات لحقوق الأطفال عند هذا الحد، بل تعدت ذلك إلى تجنيدهم، حيث يتم الزج بالآلاف الأطفال في جبهات القتال.

  • تأثير القنابل والألغام:

يشكِّل استخدام الأسلحة غير المتفجرة، مثل الألغام الأرضية، والأجهزة المتفجرة بالاضافة الى الاعاقات المستدام والوفيات والاصابات الفورية، تحدِّيًا على وجه الخصوص على ممارسي الفلاحة والرعي وكذا الصيد والتنقل، لأنها غالبًا ما تحتوي على موادٍ خطرة، كما أن الكشف عنها وإزالتها بأمانٍ أمرٌ صعبٌ ومكلِّفٌ .

كما أعاقت «مخلفات الحرب المتفجرة» هذه، بما في ذلك الألغام الأرضية التي زرعتها مليشيا الحوثي، الوصول إلى الحقول الزراعية التي تشتد الحاجة إليها، مما أضرَّ بشدة بقدرة المزارعين على حراثة أراضيهم، مما يعرِّض حقولهم لأن تصير مجدبة طوال سنواتٍ قادمة.

هذا بالاضافة الى أن القنابل والألغام المنتشرة في مناطق الصراع تؤدي إلى تلوث التربة بالمواد الكيماوية الضارة، مما يضر بالزراعة والإنتاج الغذائي، وايضا يسبب تلوث الأراضي والمياه بشكل مستمر وتعيق الجهود البيئية للتنظيف، وبالتالي الى فقدان التنوع البيولوجي وتهديد الحياة البرية.

 إن ما سبق من التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، تشير إلى الضرر الكبير الذي يمكن أن يلحقه الصراع بالبيئة في اليمن، الامر الذي يستدعي الزام جميع اطراف الصراع بتجنيب المدنيين كل ما يضر بمناطقهم و سبل معيشتهم. وهذه الكوارث البيئية تشكل في ظل الظروف الصعبة تحديات إضافية للمجتمع والسلطات المحلية في مواجهة هذه الأزمة.

التلوث البيئي النفطي خلال سنوات الصراع (2015-2023)

قبل نشوب الصراع، شكل النفط والغاز الطبيعي 90%من صادرات اليمن 88%من الاستثمار الاجنبي المباشر بين عامي 2005 و،2010 وصلت نسبة انخفاض إنتاج النفط والغاز بصفة عامة إلى %90 منذ عام 2014م مما أدى إلى محدودية العمالة الاجنبية وانهيار اقتصاد البلاد بشكل كبير جدا.

ومع ذلك فإن اليمن يواجه تحديات كبيرة في مجال التلوث البيئي النفطي نتيجة للنزاعات المستمرة والأحداث ذات الصلة بالأمن والاستقرار في المحافظات التي يتواجد فيها بعض المنشات النفطية وكذا الموانئ المطله على البحر والتي يتم فيها استيراد المشتقات النفطية مثل عدن والمكلا وراس عيسى.

اما في المحافظات التي فيها عمليات استكشاف وانتاج للنفط مثل حضرموت وشبوة ومارب فقد بلغ التلوث النفطي فيها حدوداً كبيرة مؤخراً، وأصبح يُهدَّد حياة السكان في مناطق الامتياز، ما دفع عشرات الأسر إلى النزوح الى مناطق أخرى بعيدة خوفاً من الإصابة بالأمراض، بسبب قيام الشركات النفطية بالعمل ضمن سياسة تقليل التكاليف، وبالتالي تتجاهل الكثير من المعالجات والحلول والاجراءات التي تضمن الحفاظ على البيئة وبما يدفعها إلى القيام بممارسات تضر بالبيئة المحيطة بها أحياناً، مع غياب الرقابة الفاعلة من هيئة النفط والوزارة وكذا الهيئة العامة لحماية البيئة والجهات الاخرى المختصة.

جاء ذلك بسبب ضعف الدور الحكومي والرقابي من سابق وزاد سوءً بسبب الصراع والصراع، وايضا لوجود الكثير من شبهات الفساد التي يتهم السكان المحليون الشركات في تعاملها لشراء صمت المسئولين المعنيون في وزارة النفط وكذا في السلطات المحلية.

برك المياه المصاحبة للنفط في حقول حضرموت

هذا وقد تسبب الصراع في اليمن في حدوث كوارث نفطية متنوعة بشكل مباشر وبشكل غير مباشر نسرد اهمها وكما يلي:  

  • الهجمات على المنشآت النفطية:

نتيجة للنزاعات والصراعات المستمرة، فقد زاد عدد الهجمات والتفجيرات التي تتعرض لها المنشآت النفطية بين الحين والاخر وعلى الاخص منشأت المصافي و كذا خطوط نقل النفط الخام وكذا خط انبوب تصدير الغاز المسال والتي تمتد في محافظة مارب وشبوة وحضرموت. وفي اكتوبر 2022 تم قصف موانئ تصدير النفط الخام في ميناء الضبة والنشيمة من قبل مليشيا الحوثي مما تسبب بتوقف تصدير النفط و تكبد اقتصاد البلاد تكبد خسائر بنحو مليار دولار.

  • حوادث السفن وناقلات النفط:

طيلة التسع سنوات واكثر، تعرضت البيئة البحرية في اليمن للكثيرة من الحوادث والجرائم البيئية التي تسببت بها ناقلات تخزين الوقود ونقل الوقود الى الموانئ اليمنية، وادت جميعها الى تلويث مساحات شاسعة من الشواطئ ونفوق كميات كبيرة من الاسماك والاحياء البحرية دون تحمل اي مسؤولية، وفي ظل ضعف رقابة حكومية بسبب الصراع وتفشي الفساد والمحسوبية واللامبالاه بحياه وصحة المواطن. ويمكن الاشارة الى اخر حادثة في فبراير 2024 لغرق الباخرة روبيمار والتي قصفتها مليشيا الحوثي وهي تحمل مواد كيميائية خطرة من الاسمدة بكمية 21 الف طن غير ما تحمله من وقود وزيوت خاصة بالسفينة حيث تسربت بقعة زيتية بطول 18 ميل بحري.

كما تجدر الاشارة الى بقاء الخطر الداهم من خلال تواجد كميات تقدر باكثر من 160 الف طن من النفط الخام في السفينة البديلة للخزان العائم صافر في الشواطئ المقابلة لرأس عيسى في محافظة الحديدة، والذي انتهت من نقله الامم المتحدة في اغسطس الماضي ونحن نؤكد ان الخطر لا زال قائم بسبب عدم التخلص من النفط اما ببيعة او نقله بعيدا عن المنطقة. كما ان الاوحال النفطية السامة بقيت على ظهر خزان صافر.

  • تأخر الاستجابة والتساهل في عمليات الصيانة للمنشأت النفطية:

الظروف الاقتصادية الصعبة وافتقار الدولة الى مقدراتها المالية والتأثير المباشر للنزاع على البنية التحتية سبب في عدم قيام الشركات باداء مهامها الفنية من اعمال الصيانة واستبدال الاجزاء التالفة، على سبيل المثال خزانات مصفاة عدن او انبوب نقل النفط الممتد بين مديريات شبوة (من عياذ الى ميناء النشيمة) والذي سبب زيادة عدد الحوادث والتسربات التي تحدث بشكل دوري في المنطقة، وفي هذا الخصوص تم نشر عده تقارير ورصد وتقييم فني لها منذ 2019 واشارت الى العديد من التوصيات ولكن لاحياه لمن تنادي. وهذا يدل على اهمال الشركات النفطية بسبب ضعف وتناحر الجهات الحكومية وانشغالها بالصراع و الفساد، حيث سبب تأخر الاستجابة والتدخل الفوري لاحتواء وتنظيف التسربات بزيادة تأثير التلوث على صحة المواطنين وسبب في اضرار زراعية وعلى المستوى البيئي بشكل عام.

ومع ذلك لم يتم عمل تقييم شامل للوضع من خلال تقييم نطاق وطبيعة التلوث وتحديد الاماكن المتأثرة، وبالتالي عمل خطط استجابة وتنظيف ومعالجة لاماكن التلوث وازاله الضرر على المواطنين والاماكن المتضرره.

خط انبوب (عياد النشيمة) الذي يعد اكبر مصدر للتلوث في محافظة شبوة

وهنا نقول ان كل ما سبق يؤدي الى اضرار بيئية واقتصادية وصحية على المواطنين حيث تتعرض البنية التحتية والمنشأت الخدمية لاضرار جسيمة وينتج عنها امراض وتبعات تؤثر على الصحة العامة و كذا تعظم حجم المشكلة وتفاقم نتائجها.

التوصيات

نوصي الجهات الحكومية والسلطات المحلية وكافة المعنيين في هذا المجال بالتركيز على الاثر البيئي الذي خلفة الصراع بشكل اكبر من التركيز على التغيرات المناخية الطبيعية لعظم وكبر حجم الاضرار والكوارث التي تسبب بها الصراع, والتي نتج عنها تدمير للبيئة والموائل الطبيعية في البلاد ويعاني منها المواطنون بشكل كبير جدا انعكس في حالتهم تردي حالتهم الصحية وضعف الحالة المعيشية لهم، وبدون اي استجابة حقيقية لمعاناتهم، بل والانكى ان هذا الملف غائب عن اي مناقشات سياسية تخص السلام او مبادرات انهاء الصراع او لبناء دولة جديدة والخروج الى بر الامان.

وهنا نؤكد على التوصيات التالية:

  • ضرورة وقف الحرب وتحقيق الأمن والسلام.
  • إجراء تقييم شامل لحالة البيئة ومخلفات الحرب على البيئة.
  • وضع استراتيجية وطنية شاملة للنهوض بالوضع الاقتصادي لليمن بعد الحرب.
  • دعم سياسة البناء البيئي المستدام والعمل على التوزيع العادل للموارد الطبيعية.
  • الاستفادة من الرؤى والاستراتيجيات التي تم إعدادها قبل الحرب وتطويرها، وبالذات في مجال المياه والأمن الغذائي والزراعة وتدوير المخلفات الصلبة.
  • إعادة ما تم تدميره بسبب الحرب المقدر بـ 20 إلى 25 مليار دولار لإعادة الإعمار وتطبيع الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
  • تمكين المؤسسات البيئية الحكومية لتبني استراتيجيات طويلة ودعمها مادياً وفنياً لبناء سلام بيئي طويل الأمد.
  • إدماج إدارة القضايا البيئية في عملية المصالحة وبناء السلام.
  • استخدام المعونات الإنمائية لتطوير أدوات جمع البيانات وبناء القدرات البشرية في مجال البيئة.
  • دعم مصادر الطاقة البديلة للنشاط اليومي للسكان بما فيها توفر الغاز المنزلي للطبخ للحد من الاحتطاب الجائر للأشجار والغطاء النباتي.
  • توسيع وصيانة مؤسسات المياه والصرف الصحي لتخدم معظم السكان من ناحية، وحفاظاً على البيئة من التلوث من ناحية أخرى.
  • الضغط على الأطراف المختلفة لتسليم خرائط الألغام وإزالتها والتخلص منها.
  • زيادة الدعم لرفع سقف الحماية للمدنيين بتحديد مناطق الألغام ووضع خرائط للمناطق الخطرة وعليها العلامات التحذيرية.
  • إعادة بناء وتشغيل مقالب النفايات وتوسيعها ودراسة إمكانية استبدال البعض منها كونها أصبحت في المناطق السكنية أو في المناطق المهدِّدة لمصادر المياه.
  • إعادة بناء معامل تدوير النفايات وتشجيع المهتمين بهذا النشاط والتفكير في عملية الاستفادة من معالجة النفايات في إنتاج الطاقة
  • تطبيق القوانين والتشريعات للحد من التلوث النفطي وحث أو إجبار شركات الاستخراج على الالتزام بضوابط وقواعد التخلص الآمن من هذه المخلفات.
  • الحد من الانبعاثات الغازية وفرض رسوم على منتجيها والعمل على الاستفادة منها بإنتاج الطاقة بدلاً من حرق الغاز في مواقع إنتاج النفط.
  • العمل على الاستفادة من المياه المصاحبة للنفط والملوثة في مناطق حضرموت وإعادة تدويرها واستغلالها وفق التقنيات والطرق العلمية المتاحة.
  • ضرورة تعويض المتضررين من التلوث البيئي بسبب استخراج النفط والمعادن الأخرى والتلويث المتعمد.

وهنا نختم بالقول بإن الحفاظ على البيئة والتوازن البيئي هو السبيل الوحيد لحياة آمنة ومستقرة للناس. وقد تعرضت البيئة في اليمن للعديد من التهديدات والمخاطر، منها بفعل الحرب والصراعات المجتمعية على الموارد، ومنها بفعل النشاط الاقتصادي للسكان واستنزافها وعدم الاكتراث بحمايتها. وبالرغم من الخطوات الخجولة التي تم إنجازها قبل الحرب من وضع الاستراتيجيات والخطط للتعامل مع عناصر البيئة ومكوناتها والحفاظ عليها، إلا أن التهديدات والمخاطر عليها ما زالت قائمة، بل وتتفاقم باستمرار بسبب الحرب وسوء الإدارة وضعف التمويل. نحن بحاجة إلى وقف فوري للحرب وإدماج بناء السلام البيئي ضمن خطط تحقيق السلام لوقف نزيف الدم والموارد.



		

	

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *